"ضحى الإسلام" لأحمد أمين، كتاب يأتي في ثلاثة أجزاء يعرض الجزء الأول للحياة الاجتماعية والثقافات المختلفة في العصر العباسي الأول، ويعرض الجزء الثاني لنشأة العلوم وتطورها في العصر العباسي الأول، في حين يعرض الجزء الثالث للفرق الدينية كالمعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج ويقدم عرضاً مختصراً لتاريخ هذه الفرق السياسي وطابع أدبهم الفني.

وفي هذا الكتاب، يعمل أحمد أمين على تحليل العقلية العربية في الصدر الأول من العصر العباسي، إذ إنه يرى أن تاريخ أمة ما هو تاريخ عقلها في نشوئه وارتقائه وتاريخ دينها وما دخله من آراء ومذاهب، لذا نراه يتناول وبشكل مفصل الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الأول وثقافات ذلك العصر كالثقافة الفارسية والهندية والثقافة اليونانية والرومانية، والثقافة العربية، ثم الثقافات الدينية.

الجزء الأول من الكتاب يضم أبواباً جديدة لم يلتفت إليها أحد من قبل، أو على الأقل لم يبحثها أحد بهذه الطريقة، حيث تناول المؤلف قضايا الصراع بين العرب والموالين والعصبية القبلية، وأشكال الصراع وغاياته التي ينتهي إليها، كما يتحدث عن الشعوبية ومعناها ومؤداها، وتاريخ نشأتها، ثم يتناول ما أثمرت من جهد أدبي وعنف سياسي، ليفرغ بعد ذلك إلى الحديث عن الرقيق، وأثره في الآداب والفنون، واختلاف أنواع الرقيق، وميزة كل نوع وذلك قبل أن يقارب بين الحرائر والإماء.

ولا يغفل أحمد أمين، الحديث عن الظواهر الجديدة التي طرأت على الحياة الإسلامية، فهو إذ يقارن بين الأمويين والعباسيين، ويوضح كيف تدرج اللهو بتدرج العصور، إذ كان ضئيلاً في العصر الأموي، ثم استشرى واستطال في العصور التالية، ويضرب لذلك الأمثال مما يروي عن الخلفاء العباسيين كالسفاح والمنصور والمهدي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق، كما يحلل دواعي الزندقة، يبين أسباب انتشارها وآثارها على حياة الفكر. كما يتحدث المؤلف بإسهاب عن خصائص الثقافات الأجنبية من فارسية وهندية ويونانية ورومانية وعربية وجعل لكل ثقافة من هذه الثقافات من يمثلها أحسن تمثيل فابن المقفع يمثل الثقافة الفارسية، وحنين بن إسحاق ممثلاً للثقافة اليونانية، واختار (المبرد) ممثلاً للثقافة العربية وهكذا. وهو في كل هذا يقف موقف المستوعب لكل العناصر الرئيسة في هذه الثقافات.

وفي الجزء الثاني، يبين أحمد أمين ما انتهى إليه العلم في العصر العباسي من رقي وتقدم، موضحاً أسباب ذلك من خلال تناوله لحرية الرأي في هذا العصر، وعن معاهد العلم كالمكاتب والمساجد ومجالس المناظرة والمكتبات وبيت الحكمة، ليختم كل ذلك بالحديث عن أثر المراكز العلمية للحياة العقلية في عواصم الإسلام بالعصر العباسي، ويتحدث عن الحديث والتفسير بدقة متناهية عارضاً لكتب الأحاديث المشتهرة ولمسألة الخلاف بين المحدثين والمكلمين، كما أفاض الحديث في التفسير ودرس التشريع الإسلامي دراسة موسعة، فقارن بين المدارس الفقهية بأسلوب بديع منسق، كما بحث علوم الأدب بحثاً هادئاً عميقاً واهتدى إلى حقائق لم يلحظها أحد قبله.

وفي الجزء الثالث من هذا الكتاب يجد القارئ مسائل علم الكلام مبسوطة أمامه دون تعقيد يذكر، فكأنها مسائل علم الفقه، إذ عمد المؤلف إلى تذليل الآراء وتيسيرها ومناقشتها، فهو يعرض لآراء المعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج ويبين كل ذلك بأسلوب شيق ومبسط للغاية.